نستبعد ان يقدم الفنان الحديث على عمل من أعماله الفنية ، وفى رأسه فكرة محددة كاملة الأوصاف والتفاصيل ... فخلال أدائه للتجربة الفنية نجد أنها فى حد ذاتها بمثابة اكتشاف لعالم جديد ، فلعل هناك فكرة مسبقة مبدئية باهته ، صورة ذهنية غير محددة المعالم فى خيال الفنان ، هذه الصورة يختزنها الى أن تضح رويدا رويدا معالمها كصورة ذهنية تتكامل نتيجة الانفعال ، ونقطة البداية فى العمل الفنى هى توفر هذه الشحنة الانفعالية بعدما تتحد بعنصر الخيال المبدع وتأخذ فى الاكتمال تدريجيا عن طريق التعبير ، الذى يمارسه الفنان وينتابه إزاءها الشعور بالحرية وشعور آخر بالقهر ، فثمة شعوران متناقضان أولهما يدفع الفنان المبدع الى التعبير دون التقيد بقواعد مدرسية أو نزعات فنية معينة وثانيهما الانحسار فى الصورة وعدم الفكاك منها فهى التى تتسلط على كافة مشاعره ويدفعه هذا التناقض الوجدانى الى اننا نلمس النزعة الحدسية فى أغلب أعماله أو لوحاته الفنية .
وعلى هذا يتبين لنا التجربة الجمالية الخيالية الشاملة فى أعمال دنيا صالح الصالح ابنة الرياض ، عاصمة المملكة العربية السعودية ، ومسقط رأس الفنانة ، تجربة إبداعية تميزت بتحريف وتبديل العناصر والأشكال محاولة بذلك الكشف عن عالم آخر خلاق لا يخضع لنظرية الحكم على الأشياء ،ولا ينتمى الى جنس ،أو بيئة أو زمان ، بقدر الوصف والتعبير المتميز وشدة الإحساس الوجدانى الذى نلمسه فى شخوص جسدتها الفنانة تارة فى معاناة باستخدام ألوان قاتمة تبرز الحالة الوجدانية معتمدة على الجذب الوجدانى الذى نلمسه فى التكوين فالإنسان لديها إما وحيد وسط حشود جماهيرية ،أو فى عالم لا يعيشه إلا بمفرده حاملا على أكتافه كون آخر يجوب فى أجوائه باحثا عن معالم العلوم والسلوك الإنسانية . كما نلمس أيضا فى بعض موضوعات الفنانة دنيا الإحساس بقلة وجود خط الأفق الذى تغلبت عليه باستخدام الأشكال الهندسية لمحاولة وضع أسس ومقاييس تتعدى النظرة الواقعية المباشرة وخلق مبادئ تثير ذائقة المتذوق للتحليل والكشف عن غموض عالمها الجمالى.
كما اننا لا نستطيع ان نتجاهل عامل الطلاقة فى التعبير من خلال معالجة الفنانة لقضيتين إنسانيتين فى أعمالها فالأولى تحمل هم إنسانى بطرح موضوعات تتعلق بمعاناة الفرد داخل مجتمع والأخيرة تمثل الشعور الذاتى الذى نلمسه من خلال تصورها البصرى الذى خرج عن الواقع أو غير منه فى لوحات تناولت موضوع الألفة والانسجام بين الرجل والمرأة أو المرأة فى حالة من الأمل والحلم وقدرتها على التعبير من خلال لمساتها اللونية ومكانها وما نتج عنها من تكوينات وتنغيمات لونية وانسجام التكوينات والتشكيلات التى استطاعت من خلالها أن تلمس حاسة المشاهد الوجدانية .
لوحات دنيا الصالح قد تذكرنا بنظرية "أفلاطون " التى تثبت أن الفن مصدره الإلهام أو وحى من عالم مثالى وبهذا المفهوم نجد عالم دنيا التى أخذت من " النخلة" رمز ترمز به لشخصها ، فاختارت أن تزرع هذه النخلة على نهر بيروت ، مناخ مختلف للنخلة ولكنه يدل على الفلسفة العميقة بأن ابنة الصحراء التى نشأت فى ظل النخلة وتغذت على ثمارها قادرة بأن تطرح وتنمو وتثبت ذاتها فى شتى بقاع الأرض .
رؤية هدى العمر
ناقدة وفنانة تشكيلية